التأمت بتاريخ 18 مارس 2022، جلسة موسعة لمرصد الخدمات المالية، تم خلالها نقاش مسألة الاندماج المالي.
أصبحت مسألة الاندماج المالي تمثل رهانا كبيرا لتونس من حيث التحديات و الانتظارات، خاصة في ظل الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي تعيشها تونس في الوقت الحاضر.
أصبح الاندماج المالي إستراتيجية عالميّة من أجل تحقيق النمو الاقتصادي واستدامة التنمية الاقتصادية، من خلال مختلف روابطها البنكية والمالية التي يُنتظر أن تنعكس لاحقا على سيرورة الاستثمار والتجارة و الإقتصاد ككل.
و للأسف فإن جميع المؤشرات في تونس حسب دراسة تمت في ربيع 2018 تؤكد ضعف الاندماج المالي في تونس، إذ إن ثلثي التونسيين لا يملكون حسابات بنكية، و يبقى النفاذ للخدمات البنكية شبه مستحيل على فئة كبيرة من أبناء هذا الشعب، و حتى الثلث المالك لحسابات بنكية، تقتصر عملياته على إنزال راتبه ثم سحبه من البنك، إذ إن 9 بالمئة فقط من هذه الفئة هم عملاء ناشطون، أي أن البقية بحوالي ثلاثة أرباع يقومون بأقل من ثلاث عمليات في الشهر!
و حتى مرسوم 117 لسنة 2011 لم تكن له المردودية المنتظر بإنشاء مؤسسات القرض الصغير، حيث تحولت هذه الآلية تقريبا في جزء كبير منها إلى آلية لتأبيد الفقر و الاستغلال الفاحش للطبقات الهشة.
أما بالنسبة لقطاع التأمين فيكاد ينحصر في العقود الملزمة قانونيا، و ما زاد في تعكير الوضع العجز منذ سنوات عن إصدار قانون جديد ينظم قطاع التأمين.
مع العلم أنه منذ سنة 2020 وقع تقديم مشروع لدعم الاندماج المالي و لكنه بقي كغيره في رفوف مجلس النواب.
و حتى القوانين التي صدرت و كان من المفروض أن تساعد و لو بجزء ضئيل في الاندماج المالي – و نقصد بذلك قانون الاقتصاد التضامني و الاجتماعي و الاستثمار التشاركي و المبادر الذاتي – بقيت حبرا على ورق في ظل غياب النصوص التطبيقية.
و يدعو المرصد إلى ضرورة مراجعة الإطار التشريعي و القانوني الذي يحول دون الدعم و التشجيع على الإندماج الإقتصادي، و رغم أن التشريع الجبائي يحاول من سنة لأخرى النزول بالحد الأقصى المتاح استعماله نقدا، فإن ذلك يبقى دون المأمول نظرا لغياب العقوبات الجزائية.
و كما أشرنا سابقا وجب التسريع بالنصوص التطبيقية لعديد القوانين التي لا تزال غير مفعلة. أضف إلى ذلك عديد القوانين كالمجلة التجارية و مجلة الصرف التي وجب التسريع بمراجعتها نحو مزيد التشجيع على الحد من العمليات النقدية.
علاوة على كل هذا يبقى الضغط الجبائي عاليا جدا، و عدم محاربة الإقتصاد الموازي و التغلب عليه زاد الطين بلة و المشاكل تفاقما.
و من ناحية أخرى فإن التخلف الذي عاشته البلاد في ميدان التكنولوجيات الحديثة و خاصة الرقمنة ليس له أي مبرر، و يعد نقطة سوداء في تاريخ تونس التي تزخر بالمواهب و المعرفة و تفخر برأس مالها البشري، فإلى حد الساعة تبقى التجارة الإلكترونية للأسف ضعيفة جدا، و ذلك بسبب التأخر الغريب في قطاع الرقمنة و خاصة النقديات. و نفس الشيء بالنسبة للخلاص عن طريق الهاتف الجوال.
و يدعو المرصد إلى التعجيل في بعث قاعدة برمجية إلكترونية (منصة إلكترونية) للشركات الكبرى، كالشركة الوطنية لإستغلال و توزيع المياه و الشركة الوطنية للكهرباء و الغاز… تسمح بالخلاص عن بعد لجميع الفواتير.
و يأمل المرصد في أن يتعاضد المجتمع المدني و السلط الوطنية من أجل إرساء برنامج متكامل للتوعية و التشجيع على الإندماج المالي، كما يدعو البنوك و المؤسسات المالية إلى مراجعة العمولات و الأخذ بعين الإعتبار الربح الصافي في حالة تراجع العمليات نقدا.