السبت, أغسطس 9, 2025
32.7 C
Tunisia
السبت, أغسطس 9, 2025
tunisair

“تخيّل.. روحك تسمع” على ركح قرطاج ..  حينما  تنطق الموسيقى بما لا يُقال

“تخيل.. روحك تسمع”، ثلاث عبارات تحدد مسارات عمل موسيقي يقرأ الذاكرة ويؤولها ويغازل
الصمت ويشكل المعنى تلو المعنى على أنقاض الفراغ..
تخيل دعوة جلية للخيال، تردفها فسحة من الصمت المفعم بالمغزى  تتسلل منه الأصوات الموغلة في
الذاكرة إلى الروح فتسمع، ويتشكل مفهوم الإصغاء في عمل فني تجريبي للفنان كريم ثليبي.
على ركح المسرح الأثري بقرطاج غير الغريب عن التجريب، اقترح عرض “تخيل..  روحك تسمع “
في سهرة 8 أوت 2025  تجربة في الإصغاء، في التذكّر، في التساؤل، وفي التفكر اتخذ هيئة طقس
ركحيّ مركّب تقاطعت فيه الأصوات والصور والأجساد والظلال، في مساحة فنية تسائلنا عمّن نحن،
ومن كنا، وما يمكن أن نكون.
في ثنايا المسرح الأثري تقاطعت الذاكرات الفنية والإنسانية وغدت  الأوركستر السمفوني التونسي بقيادة
محمد بوسلامة حقلا تعبيريا نابضا لا يكتفي فيه الصوت بنقل النوتات المكتوبة بل يحاكي ما يعتمل في
الصدر من حنين وشجن وتوتر دفين ورغبة في البوح.
وأما الكورال، بأصوات أوبرا تونس، فلم يكن جوقة في الخلفية، بل كينونة سردية  تحتّج، وتهمس،
وتتذكّر في نسيج سمعي برزت من بين دروبه أصوات فردية حملت الموروث بين ضلوعها كنبض حي
لا يعرف التكلس،  ناي البرغوثي، بصوتها المخاتل بين دفء الحكاية وحدّة الاحتجاج، وزياد الزواري
الذي  يستخرج من كمنجته قوة النغمة وحساسية النوتة، ومحمد علي شبيل  الذي ينقّب بصوته في مكامن
القلق الوجودي.
وبين زخم الحكايات التي تمتد من تونس إلى فلسطين، تنقل الوجع الذي يقيم بين الحب والحرب يُغني
ناي حسين بن ميلود عن سيل من الآهات والعبرات ويسنده صوت صابر رضواني المعمّد بفصول من
الذاكرة.
وفيما يناجي هادي فاهم غيتارته تتجلى أجساد الراقصين من الجزء العلوي للركح وكأنها تتنزّل من
السماء  وتتواتر صور يتجاذبها النور والعتمة في الشاشات ويصدح بهاء الدين فضل بصوت تتفتح على
وقعه زهرة الروح التي تهرب من الجسد لتسمع أصوات الكون حينما تختزلها إيقاعات حمدي الجموسي 
ونصر الدين شبيل.
وبين القطع الموسيقية يتسرب صوت الممثل محمد بن مراد ليشرع أبواب المخيلة فتقذف الروح أثقالها 
وتلامس وجع أم مكلومة ترتسم دمعاتها حينما يلفظ كلمة “شقف” بكل ما تحمله من هواجس وآلام وأحلام
متناثرة على زبد الموج وتتبدى ملامح أخرى للحياة على وقع صوتي سيرين الهرابي ونجوى عمر
المحملان بزخم الأرض.

“تخيّل.. روحك تسمع ” لا يعيد تقديم التراث  بل يُفككه، ويعيد ترتيبه، ويخلع عنه ملامحه الأولى ليعيد
تركيبه  بأسلوب معاصر يكون فيه التراث روحا للصوت وتوغل الموسيقى في الذاكرة الشعبية لتنهل
منها وتصوغ معاني جديدة.
في ذروة العناق بين التراثي والعصري تتبدى المقامات القديمة حينا وتتخفّى حينا آخر وتراوح القوالب
الصوتية بين المألوف والمبتكر وتتسرب من بينها أسئلة  وإمكانات كتابة التراث بلغات موسيقية معاصرة
بعيدا عن تقديسه وحشره في زاوية معتمة من الذاكرة.
على إيقاع كتابة نفسية استمدت روحها من رواية “غدًا يوم القيامة” لمحسن بن نفيسة وإخراج ركحي
لوليد الدغسني  تجاوز كريم ثليبي الحكاية المكتوبة نحو تشكّل ركحي ونفسي غدَا معه الماضي نقطة
البداية لا وجهة ارتداد، حيث انطلق العرض من الموروث ليعود إليه مُحمّلا بالقلق والحيرة ورغبة
جامحة في الفهم بعيدا عن الاجترار، إذ بعث في الموسيقى روحا تستشعر عبرها الانفعال والتردد
والتوتر والحدة والصمت وغدت معها الجمل الموسيقية أنفاسا لا تتكرر تولد مع كل لحظة جديدة وتذوب
فيها.
ومع تواتر  الأصوات تتشكل ملامح البسيكودراما الموسيقية حيث تتوّلد  لحظات صوتية مشحونة
بالعاطفة ينغمس فيها الجمهور ليسمع ذاته ويحادثها وينبش في دواخلها وليرتطم بتوتر منسي أو قلق
دفين أو أمل لفه التجاهل.
في العرض، كانت  العناصر  البصرية شريكة في التكوين الدرامي لتترجم حركات الضوء وتغيرات
الخلفية وانسياب الظل والانتقالات  في المعنى والتحولات في الحالة النفسية للعمل.
وعلى الركح كان المشهد متعدّد الطبقات صوتيا وجسديا ودراميا، تعدد لم يفقد العرض تماسكه، بل منحه
كثافة ينتفي معها الزمان والمكان ويوغل على وقعها الجمهور في متاهة داخلية ربما لم يكن مستعدا لها
ولكن الأكيد أنه لا يستطيع مقاومتها.
“تخيّل.. روحك تسمع ” لا يحتاج إلى  تحليل موسيقي أكاديمي صارم ، بقدر ما يتطلب آذانا تُحسن
الإصغاء، وأعينا تجيد التأمّل، وقلوبا تسمح للدهشة بأن تسكنها، على أعتاب عمل لا تستوقفه حدود
النغمة، فيعبرها إلى المغزى ولا تُشبعه جماليات الصوت، فهو يستنطق روح الإنسان.
في زمن يميل إلى الضجيج، يختار “تخيّل” أن يُراهن على الصمت بين نغمتين، على الثورة في مطلع
الجمل الموسيقية، وعلى المقاومة على تخوم إعادة صياغة المعنى ما بين القرار والجواب.
ولما صدحت ناي البرغوثي تتغنى بفلسطين توشحت الشاشة برايتها وتلألأت الكوفيات على أكتاف
الكورال وعاضدها صوت صابر الرضواني حينما استحضر غزة وارتسمت في الشاشة صور التراجيديا
المستمرة في القطاع على وقع التقتيل والتجويع.
بعد عرض “تخيّل.. روحك تسمع ” لن تغادر مسرح قرطاج الأثري كما دخلته، ستكون ممتلئا بالنغم
والمعنى والحيرة بعد أن انغمس داخلك صوتيا وبصريا ودراميا ونفسيا التاريخ الجماعي  والتجارب
الفردية، وستعلق بذاكرتك كلمات إمرأة فلسطينية بلغت من الكبر عتيا فغنت “شدو بعضكم يا أهل
فلسطين”.. تلك الترنيمة التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، نُقلت على ركح مهرجان قرطاج مع

همس لصور قادمة من عمق الوجع الغزاوي..”تخيّل.. روحك تسمع” صرخات الجوعى والجرحى
وأمنيات الشهداء قبل الرحيل الأخير” .

إيرلندا تعتزم تمرير قانون لحظر استيراد البضائع من مستوطنات الاحتلال وسط دعم دولي متزايد

أعلنت إيرلندا اعتزامها تمرير تشريع لحظر استيراد البضائع من مستوطنات الاحتلال غير القانونية. يأتي ذلك بعدما طلب أكثر من 12 من أعضاء الكونغرس الأميركي إضافة...

غضب دولي وعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن إثر قرار الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة

في اليوم 673 من حرب الإبادة على قطاع غزة، أثار قرار الكيان الصهيوني احتلال مدينة غزة غضبًا دوليًا واسعًا، ودفع إلى اتخاذ تدابير متعددة...