تشكّل قرارات المحكمة الإداريّة الأخيرة الرّافضة لدعاوى إيقاف تنفيذ الإقامة الجبريّة التعسّفيّة الصادرة عن وزارة الدّاخليّة إثر 25 جويلية ضربا لدولة القانون.
في تعليق منه على هذه القرارات ذكر جيرالد ستابيروك، الكاتب العامّ للمنظّمة العالميّة لمناهضة التّعذيب، أنّه “يبدو أنّ المحكمة الإدارية قرّرت منح السلطة التنفيذيّة صكّا على بياض مغمضةَ عينيها عن الطّبيعة التّعسّفيّة لهذه الإجراءات وعواقبها الماديّة والمعنويّة الوخيمة التي تمسّ كلّ من يعاني منها”. كما أضاف أنّه “في ظلّ هذا التّحوّل القضائي المثير للقلق يظهر أنّ المحكمة تخلّت عن دورها كضمانة ضدّ التعسّف في استعمال السلطة على الرّغم من أنّها تميّزت إلى حدّ الان وفي أغلب الأحيان باستقلاليّتها في النّزاعات المتعلّقة بتقييد الحرّية التّعسّفي المفروض من قبل وزارة الدّاخليّة”.
على أمل أن تستعيد المحكمة الإدارية دورها كحامية للحريات، تتيح المنظّمة العالميّة لمناهضة التعذيب لضحايا الإجراءات التعسفية المقيّدة للحريّة نموذجي طعون في إيقاف تنفيذ هذه الإجراءات مبيّنة عدم قانونيّتها من خلال تحليل قانوني. تتمثّل هاته النّماذج في: – نموذج عريضة دعوى في إيقاف تنفيذ قرار منع/تعطيل مغادرة التّراب التّونسي.– نموذج عريضة دعوى في إيقاف تنفيذ قرار إقامة جبريّة.
كما ستقدّم المنظّمة العالميّة لمناهضة التعذيب الدّعم القانوني للعديد من ضحايا الإجراءات التعسفية المقيّدة للحريّة حتّى يتمكّنوا من التّوجه إلى لجنة حقوق الإنسان التّابعة للأمم المتحدّة. من الضّروريّ أن تمتثل الدّولة التّونسيّة إلى المعايير الدّوليّة المعمول بها في هذا المجال.
تحوّل قضائي مقيّد للحريّة
شهد الشّهران المنقضيان زيادة في عدد الإجراءات المقيّدة لحريّة تنقّل المواطنين والمواطناتوهي إجراءات رقابة إداريّة أصدرتها وزارة الدّاخليّة وتتخذ أساسا شكلين: منع/تعطيل مغادرة التّراب التّونسي والإقامة الجبريّة. ويجدر التّذكير أنّ هاته الإجراءات ليست بالحديثة إذ عانى المئات إن لم يكن الالاف منها خلال السّنوات الأخيرة وقد تمّ تعميمها أكثر منذ تفعيل التّدابير الاستثنائيّة في 25 جويلية على الرّغم من وجود فقه قضاء ثريّ للمحكمة الإداريّة يكيّف هذه الإجراءات بعدم الدّستوريّة.
لقد مارست المحكمة الإداريّة اليوم تحوّلا قضائيّا محيّرا. يتمّ إيقاف تنفيذ الإجراء المقيّد للحريّة إستعجاليّا من قبل المحكمة إذا ما توفّر شرطان وهما أوّلا قيام الإجراء على أسباب غير قانونيّة في ظاهرها وثانيا تسبّب القرار في أضرار يصعب تداركها. إنّ إجراءات الرقابة الإدارية التي تنفّذها وزارة الداخلية تعسفيّة لأنّها تنتهك شروط الشرعية والضرورة والتناسب التي يجب احترامها عند تنفيذ أيّ إجراء مقيّد للحريّة.
بالإضافة إلى ذلك ومن الناحية العملية، تسبب القيود المفروضة على الحرية أضرارًا نفسية ومادية لا يمكن إنكارها للأشخاص الذين يعانون منها. للإقامة الجبرية عواقب وخيمة ذلك أنها غالبًا ما تنطوي على انتهاك واضح للحق في العمل أو الحق في الحياة الأسرية أو الحق في الصّحة إلى جانب عديد الحقوق والحريات الأساسية الأخرى. يمكن أن تؤدّي الإقامة الجبرية إلى هرسلة أمنية ويمكن أن تشكل احتجازًا تعسفيًا عندما يتم تقييد نطاق الإقامة.
على الرّغم من ذلك، قضت المحكمة الإدارية مؤخرًا بعدم وجود ما يثبت أن الإقامة الجبرية تسبب ضررًا لا يمكن تداركه للأشخاص الذين يعانون منها، دون الردّ على الحجج الجديّةالتي تثبت أن مثل هذه الإجراءات غير قانونية بشكل واضح. كما صدرت هذه القرارات بعد تأخير طويل للغاية.
- تدعو المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب القضاء الإداري إلى إعادة النّظر في السّوابق القضائيّة الأخيرة ولعب دوره كضامن ضد انتهاكات الآلة الأمنية وأن يحكم دون تأخير وبطريقة مستقلة وحيادية تامة في عدم قانونيّة الإجراءات الإدارية المقيدة للحرية المفروضة منذ سنوات على عدد كبير من المواطنين والمواطنات.- تدعو المنظّمة العالميّة لمناهضة التعذيب ضحايا هذه الإجراءات لرفع دعاوى تعويض ضدّ الدّولة أمام المحكمة الإدارية للحصول على تعويض عن الضرر الذي لحق بهم نتيجة لهذه الإجراءات. إنّ اثارة مسؤولية الدولة وفرض العقوبات المالية سيساعد بالتأكيد على وضع حدّ لهذه الممارسات التعسفية.